من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 التحذير من الغلو ومن عقيدة الوحدة الـمطلقة

الدرس الثامن عشر
التحذير من الغلو ومن عقيدة الوحدة الـمطلقة

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
   درس ألقاه الـمـحدث الشيـخ عبد الله بن مـحمَّد الـهررى فِى بيته وهو فِى بيان وجوب البعد عن الغلوّ وفِى التحذير من عقيدة الوحدة الـمطلقة.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الـحمد لله رب العالـمين والصَّلاة والسَّلام على سيِّد الـمرسلين سيدنا مـحمَّد أشرف الـمرسلين وخاتـم النبيين.
أما بعدُ فقد رُوّينا بالإسناد الصحيـح أن رسول الله صلى الله عليه وسلـم قال: "إنَّ مُحَرّمَ الـحلالِ كَمُسْتَحِلّ الـحرامِ اﻫ 1 إنَّ مُحَرّمَ الـحلالِ كَمُسْتَحِلّ الـحرامِ اﻫ إنَّ مُحَرّمَ الـحلالِ كَمُسْتَحِلّ الـحرامِ" اﻫ
فَفِى هذا الـحديث الأمر لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلـم بالاعتدال. يـجب على الـمسلـم أن يكون قولُهُ معتدلًا فِى التحليل والتحريم فلا يـجوز الشَّطَطُ لأن الشططَ مِن الغُلُوّ الذِى نَهَى عنه اللهُ ورسولُهُ قال الله تعالى فِى سورة النساء: ﴿يَآ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ2 وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلـم: "إيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ فإنَّ الغُلُوَّ أَهْلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ" اﻫ3
    فيـجبُ الاحتياطُ فِى الـحكمِ على الكلـمات التِى ظواهرُها كفرٌ ويـجب ترك الـحكمِ بالكفر لأجل كلـمةٍ تصدر من مسلـم قبل معرفة ما يفهمه هذا الإنسان من هذه الكلـمة فإن عَرَف أنه يفهم منها الـمعنـى الذِى هو كفر حُكم على قائلها بالكفر بشرط أن لا يكون تكلـم بها على وجه سَبْقِ اللسان، فإذا تحقق ذلك أى أنَّ الشخص الذِى نطق تلك الكلـمة يفهم منها الـمعنـى الكفرىَّ ولـم يكن نُطْقُهُ بها عن سبقِ لسانٍ ولا عن إكراهٍ ولا عن حكايةٍ لقول الغير عندئذ تعيّن الـحكمُ على قائلها بالكفر.
وذلك أن كثيرًا من الكلـمات أحدثها أناسٌ بـمعنًى كفرىّ وكانوا يقصدون بها ذلك الـمعنـى الكفرىَّ ثم تصير بمرور الزمان صار أناسٌ ءاخرون يَلْفِظُونَ بها وهم لا يفهمون منها ذلك الـمعنـى الذِى قصده أولُ مَنْ أحدثَ ذلك اللفظَ.
فقولُ كثيرٍ من الناس لا موجودَ إلا اللهُ أو ما فِى الوجودِ إلا اللهُ أو هو الكُلُّ مثلًا هذه الكلـماتُ الثلاثُ أحدثها فِى بَدْءِ الأمر أناسٌ ملحدون يدّعون التصوفَ وهم عقيدتُهم ضِدُّ التوحيدِ ضِدُّ الإسلام لأنَّ كثيرًا من الـمتصوفة فِى السلف وفِى الـخلف تَسَتَّرُوا باسم التصوف وهم ملحدون فاسدو العقائد، منهم من يعتقد أنَّ الله هو جملةُ الـموجوداتِ وهؤلاء يقال لهم أهل الوَحْدَةِ الـمُطْلَقَةِ ويقال لهم أهل وَحدة الوجود، أخذوا هذه العقيدة من قدماء اليونانيين لأنَّ اليونان كان عندهم عقائدُ متعددةٌ منها عقيدة الوحدة الـمطلقة هذه، يَرَوْنَ أنَّ اللهَ تعالى هو الوجودُ الـمطلقُ وأنواعَ العالـم أجزاءٌ منه وقد يقولون تعيناتٌ لله وهذا من أكفر الكفر، ثم بعد ذلك أناسٌ مسلـمون صاروا يلفظون بهذه الكلـمة لا موجود إلا الله ه وهم لا يفهمون منها هذا الـمعنـى الذِى هو كفرٌ إنـما يفهمون منها أنَّ الله هو مدبرُ العالـم، لا يفهمون منها أنَّ اللهَ جملةُ العالـم جملةُ الـموجودات لا يعلـمون أنها لا تعطِى إلا هذا الـمعنـى.
كذلك الكلـمة الأخرى ما فِى الوجود إلا الله هذه أيضًا كثيرٌ من عوامّ الـمسلـمين يفهمون منها أنه لا مدبر للعالـم إلا الله. كذلك الكلـمة الثالثة هو الكلُّ هذه أيضًا يلفظ بها كثيرٌ من العوامّ الذين يتشبهون بالصوفية من غير فَهْمِ معناها الأصلىّ الذِى وُضعت له عند أولئك الـملحدينَ.
فإذا سمع أحدُنا من شخصٍ ظاهرُهُ الإسلامُ إحدى هذه الكلـماتِ الثلاثِ لا يَنْبَغِى أن يَتسرعَ ويـحكمَ عليه بالكفر نظرًا لـمعانيها الأصلية حتى يعرف ماذا يفهم منها.
أما من يقصد بها مَعَانِيَهَا الأصليةَ فهو كافرٌ بل من شَكَّ فِى كفره فهو كافر. وكثير من الكتب التِى أُلّفَتْ باسم التصوف فيها كفريات.
ثم مِن جملةِ مَن ينتسبُ للطريقة النقشبندية أو الشاذلية أو الـقادرية مَنْ يُصَحّحُ هذه الكلـمات بدعوى التأويل وهو يفهم الـمعنـى الأصلىَّ لكنهم يَدَّعُونَ أنَّ لها معنًى ءَاخَرَ وهؤلاء معاندون يدافعون عن هذه الألفاظ وهم يعلـمون مَعَانِيَها الأصليةَ فالـحذرَ الـحذرَ منهم.
قبل خمس وعشرين سنة رأيت كتابًا أُلّفَ فِى الصلاة على النبِىّ صلى الله عليه وسلـم فيه هذ الـجملة اللهم صلّ وسلـم على سيدنا مـحمَّد الذِى شهد وَحْدَتَكَ فِى كَثْرَتِكَ اﻫ معناه أنتَ واحدٌ وكثيرٌ، يقول هذا الـمؤلف وهو طرابلسىٌّ مِنْ ءَالِ مرحبا إنَّ الرسول علـم أنَّ الله واحدٌ وكثيرٌ. كان هنا وفِى الشام وفِى مصر وفِى اليمن أناس هذه حالتهم. هذا الكفر الصريـح يعتبرونه تصوُّفًا والعياذ بالله. فالـحذرَ الـحذرَ من كثير من هذه الكتب الـمؤلفة باسم التصوف.
وكذلك يـجب الـحذر من استحسان طريقة الـحلاج. هذا الـحلاج كان فِى الـقرن الثالث الـهجرىّ ثم قُتل بعد نحو تسع سنوات من تـمام الـقرن الثالث الـهجرى، كان يقول أنا الـحقُّ وكان يقول كلـماتٍ أمثالَ هذه منها ما يُوهِمُ أنَّ الله هو عينُ الـمخلوق ومنها ما يوهم أن الله تعالى حالٌّ فِى الـمخلوقات.
وأكثر ما وُجِدَ مِثْلُ هذا الكلام فِى الـمنتسبين للطريقة الشاذلية فإن الـمنتسبين للطريقة الشاذلية الـمتأخرين عن مؤسس الطريقة الشيـخ أبى الـحسن الشاذلىّ رضى الله عنه بنحو ثلاثمائة سنة حدث فِى بعضهم هذا الأمر ثم منذ نحو ثمانين سنة زاد هذا الأمر فيهم. توجد فرقة تنتسب للطريقة الشاذلية يقال لهم اليَشْرُطِيَّةُ، هؤلاء ينتسبون لشيـخٍ يقال له علىٌّ نورُ الدّين اليَشْرُطِىُّ، هو تونسى قدم إلى فلسطين ونزل بِعَكَّا فصار له أتباع، ثم هؤلاء الأتباع أكثرُهم انحرفوا فكفروا أشنع كفر، يعتقدون أنَّ الله داخلٌ فِى كل رجل وأنثى حتى إنهم لا يرون غُسل الـجنابة واجبًا لأنهم يعتقدون أن الفاعلَ والـمفعولَ به شىءٌ واحدٌ، لهم وجودٌ نساء ورجال فِى نحو ثلاث قُرى من البقاع، وفِى بيروت لهم وفِى سورية فِى نحو ثلاثِ قرى، يُقال لهم اليشرطية، وينتسبون إلى هذا الشيـخ الذِى يقال له علىٌّ نور الدين اليشرطىّ. قال بعض من ترجم هذا الشيـخ كان الشيـخ على خيرٍ وصلاحٍ إنـما أتباعه شَذُّوا عن منهجه وانحرفوا فكفروا هذا الكفر الشنيع.
كانت قبل خمس وعشرين سنة امرأةٌ من هؤلاء بيروتية يقال لها زينب بَعْيُون كان تحتها ثمانون مريدةٌ قالت لرجلٍ كانَ خطيبَ جامعِ الأوزاعىّ أنتَ الله وهذا الـجدارُ اللهُ وأخبرنـى هذا الـخطيب بذلك فكتبتُ لها ورقةً قلتُ فيها بَلَغَنِى أنكِ قلتِ كذا فإن كان هذا حصل منك فأنت كافرة وإن لـم يكن حصل منكِ فبرّئى نفسَكِ وإلا لا يَسَعُنَا السكوتُ عن التحذير منكِ فخافت فقالت أعوذ بالله أنا عبدةٌ لله ثم بعد ذلك تظاهرتْ بإنكار هذا.
فالـحذرَ الـحذرَ مِن مطالعة كثيرٍ من الكتب التِى أُلفت باسم التصوف علـمًا بأنه أُلف فِى التصوف كتبٌ خاليةٌ من هذه الكفريات. الـجنيدُ رَضِىَ الله عنه الذِى هو سيد الطائفة الصوفية أوصى بأن تُدفن كتبُهُ التِى ألفها فِى التصوف فقيل لـماذا قال أحببتُ أن لا يرانـى الله وقد تركتُ شيئًا منسوبًا إلىّ وعلـمُ رسول الله بين ظَهْرانَيْهم اﻫ معناه أنا أَسْتَحِى مِنَ الله أن أشغل الناس بتآليفِى هذه وحديثُ رسول الله بين أيديهم. والـجنيد هو سيد الصوفية فِى زمانه وكلُّ من جاء بعده وكان صوفيًا حقيقيًّا فهو على منهجه ومَنْ لـم يكن على منهجه فهو ليس صوفيًّا متحققًا إنـما هو مُتَشَبّهٌ.
ثم من الكتب التِى فيها هذا كفرُ  وحدةِ الوجود والـحلولِ كتابٌ يُسَمَّى الإنسان الكامل. هذا الكتاب منسوب لعبد الكريم الـجيلىّ وهو غير الشيـخ عبد الـقادر الـجيلانـىّ. هذا الكتاب فيه من الكفر هذه العبارة (النصارى أخطأوا حيث جعلوا الألوهيةَ فِى شخص واحد أما لو جعلوا الألوهيةَ فِى كل شىء لـم يـخطئوا) اﻫ كُفْرُ النصارى عنده خطأٌ لأنهم يقولون فِى عيسى فقط هو الله ما قالوا كلُّ شخصٍ هو الله أو جزءٌ من الله.
نحن والـحمد لله مع السَّلَفِ والـخَلَفِ، لسنا كهؤلاء الكاذبين الذين يسمون أنفسهم سلفية وهم لا من السلف ولا من الـخلف، مَنْ هم؟ هم الوهابية، هؤلاء سَمَّوْا أنفسهم ترفعًا على الناس سلفيةً وهم مخالفون للسلف والـخلف. احمدوا الله على أنْ جعلنا من أهل السنة الـموافقين للسلف والـخلف احمدوا الله على أن هيأ لكم تَعَلُّمَ عِلْمِ أهل السنة عقيدة أهل السنة التِى كان عليها الرسولُ وأصحابه ومَن تَبِعَهُمْ مِن السَّلَفِ والـخَلَفِ.
وسبـحان الله والـحمد لله رب العالـمين. بارك الله فيكم. والله تعالى أعلـم.
------------------

1- رواه الطبرانِىّ فِى الـمعجم الكبير.
2- سورة النساء/الآية (171).
3- رواه ابن ماجه فِى سننه باب قدْرِ حصى الرَّمْى.


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2